الفرق بين الشجاعة و الجرأة
:
مما ذكره ابن القيم رحمه الله في كتاب الروح في مبحث الفروق أن الفرق بين الشجاعة و الجرأة أن الشجاعة من القلب و هي ثبات القلب و استقراره عند المخاوف و هو خلق يتولد من الصبر و حسن الظن ، و الجبن يتولد من قلة الصبر و سوء الظن و وسوسة الظن و ينشأ الجبن من الرئة فتنتفخ الرئة فزاحمت القلب في مكانه و ضيقت عليه حتى أزعجته عن مستقره فأصابته الزلازل و الأضطراب ، فإذا زال القلب عن مكانه ضاع تدبير العقل فظهر الفساد على الجوارح فوضعت الأمور على غير مواضعها ؛ فالشجاعة حرارة القلب و غضبه و قيامه و انتصابه و ثباته فإذا رأته الأعضاء كذلك أعانته فإنها خدم له و جنود كما أنه إذا ولى ولت سائر جنوده و أولها الرجلان
.
أما الجرأة فهي إقدام سببه قلة المبالاة و عدم النظر في العاقبة و الأندفاع بدون تفكير و لا حكمة و لهذا جاء في حديث عبدالله بن عمرو ابن العاص فيما رواه أحمد و غيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: شر ما في المرء جبن خالع و شح هالع. و قال أبو جهل لعتبة بن ربيعة عندما قال له يوم بدر نرجع قال له أبو جهل : انتفخ سَحَرك ! ( أي رئتك).
كانت لهم أمثال و عبارات يضربونها في الشجاعة:
( لا تمنَّوا لقاء العدو و إذا لقيتموهم فاثبتوا) ففيه حث على الشجاعة - قال أبوبكر لخالد بن الوليد العبارة المشهورة ( أحرص على الموت تُوهب لك الحياة) - لما سأل عمر بن الخطاب بعض بني عبس عن ظهورهم على أعدائهم فقالوا : كنا نصبر بعد الناس هنيهة - سئل عنترة العبسي عن قتالهم ضد ذبيان فقال: كنا ألفاً مثل الذهب الخالص ليس فيه غيرنا لم نكثر فنتواكل و لم نقل فنذل ، و قيل لعنترة : كيف تغلب الأبطال ؟ قال : أبدأ بالجبان فاضربه فأقسمه قسمين فإذا رأى الشجاعُ الجبانَ مقسوماً فرّ مني ، و قيل له : كيف تنتصر على الناس ؟ قال : بالصبر - قال الخارجي قطري بن الفجاءة:
أقول لها و قد طارات شعاعاً
-----من الأبطال و يحك لن تراعي
فإنك لو سألت بقاء يوم -----على الأجل الذي لك لن تطاعي
فصبراً في مجال الموت صبراً -----فما نيل الخلود بمستطاع
و لا ثوب البقاء بثوب عز -----فيطوى عن أخ الخنع اليراع
سبيل الموت غاية كل حي -----و داعيه إلى أهل الأرض داع
ومن لا يعتضد يهرم و يسقم -----و تسلمه المنون إلى انقطاع