بسم الله الرحمن الرحيم
 							 							
 							 							 							الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد  							الصادق الوعد الأمين .
 							 							 							       أيها الإخوة الكرام ؛ في سورة النساء آية هي  							الآية الواحدة والسبعون بعد المئة وهي تبدأ بقوله  							تعالى :
 							 							 							 							وللنبي عليه الصلاة والسلام حديث صحيح يقول : "إياكم  							والغلو في الدين !! فإنه أهلك من كان قبلكم 							"،  الغلو في الدين .
 							 							 							يعني أنّ الغلو في الدين كان سبباً لهلاك الأقوام  							السابقة ، فما هو الغلو في الدين ؟.
 							 							 							أيها الإخوة ؛ قلت لكم من قبل ، إن في الدين كليات  							ثلاث .
 							 							 							- كلية العقيدة  ... 
 							 							 							- كلية القلب   ...
 							 							 							- كلية السلوك ...
 							 							 							فالإنسان له عقل ، وغذاؤه العلم ، وله قلب وغذاؤه  							الذكر ، وله سلوك وصحته الانضباط بالشرع . 
 							 							 							هذه الكليات الثلاث ، إذا نمت كلية واحدة نمواً غير  							طبيعي ، فنموُّها هذا على حساب الكليتين الأخريين ،  							فهذا هو الغلو في الدين .
 							 							 							يعني أن تعتمد على الفكر وحده وتهمل القلب والسلوك ،  							أو أن تعتمد على القلب وحده وتهمل الفكر والسلوك ، أو  							أن تعتمد على السلوك وحده وتهمل القلب والعقل .
 							 							 							حينما ينمو جانبٌ على حساب جانبٍ آخر نمواً سرطانياً ،  							هذا هو الغلو في الدين ، فهذا الذي يظن أن الفكر كل  							شيء ، ويهمل الذكر كغذاء لقلبه ، وقع في الغلو ، وهذا  							الذي يعمل ليلاً ونهاراً ، ويهمل إغناء عقله بالحقائق  							، وإغناء قلبه بالذكر ، وقع في الغلو .
 							 							 							هذا نوع من أنواع الغلو ، لذلك نحن أمام تطرف ، وأمام  							تفوق ، فإذا نمت الجوانب الثلاثة نمواً متوازياً ،  							فنحن أمام التفوق .
 							 							 							        وكان أصحاب رسول الله رضوان الله تعالى عليهم  							، كانوا متفوقين ، معنى أنهم كانوا رهباناً في الليل ،  							فرساناً في النهار ، فإنّ لله عملاً في الليل لا يقبله  							في النهار ، وإن لله عملاً في النهار لا يقبله في  							الليل .
 							 							 							         أحد الرسل ، أرسلَهُ عاملُ عمر بن الخطاب على  							أذربيجان ، فقَدِم المدينة ليلاً ، وكره أن يطرق باب  							أمير المؤمنين في الليل ، فتوجه إلى مسجد النبي عليه  							الصلاة والسلام ، ظلامٌ دامس ، في هذا المسجد سمع  							رجلاً يناجي ربه ، يقول يا رب : هل قبلت توبتي لأهنئ  							نفسي ؟ أم رددتها فأعزيها ، فقال هذا الرسول : من أنت  							يرحمك الله؟ قال : أنا عمر ، فقال الرسول : يا سبحان  							الله ، ألا تنام الليل يا أمير المؤمنين ، فقال عمر :  							إني إن نمت ليلي كله ، أضعت نفسي أمام ربي ، وإن نمت  							نهاري أضعت رعيتي ، إن لله عملاً في الليل لا يقبله  							بالنهار ، وإن لله عملاً في النهار لا يقبله بالليل .
 							 							 							ثم تابعا إلى أن أذن الفجر ، فصلَّيا ، ومن باب  							التكريم أخذ عمر بن الخطاب هذا الرسول إلى بيته ، وقال  							: يا أم كلثوم ؛ ماذا عندك من طعامٍ لضيفنا ؟ قالت :  							واللهِ ما عندنا إلا خبزٌ وملح ، فقال : هاته ، فأكل  							سيدنا عمر مع الرسول الخبز والملح ، وكان قد خيره ؛  							أتأكل عندي في البيت ، أم مع فقراء المسلمين ، طبعاً  							مع فقراء المسلمين هناك اللحم ، أما في بيت خليفة  							المسلمين خبزٌ وملح ، فظنّ هذا الضيف أنّ طعام أمير  							المؤمنين متميّز .
 							 							 							        وذات مرة سيدنا عمر في عام المجاعة خاطب بطنه  							، وقال : قرقر أيها البطن أو لا تقرقر ، فوالله لن  							تذوق اللحم حتى يشبع منه صبية المسلمين ، فلما انتهيا  							من تناول الطعام ، دعا سيدنا عمر ، فقال : الحمد لله  							الذي أطعمنا فأشبعنا ، وأسقانا فأروانا.
 							 							 							ثم التفت إلى هذا الرسول ، قال يا هذا : ما الذي جاء  							بك إلينا ؟ ولماذا قدمت ؟ قال : معي علبةٌ فيها حُلْوٌ  							من أذربيجان ، هديةٌ من عاملك ، قال : أو يأكل عامة  							المسلمين هذا الطعام ؟ قال : لا ، هذا طعام الخاصة ،  							الطبقة الغنية ، قال يا هذا : أَوَ أعطيت فقراء  							المدينة كلهم مثل ما أعطيتني ؟ قال : لا : هذه لك وحدك  							، عندئذ طلب عمر من رسول عامل أذربيجان أن يبلِّغ  							عامله أن يأكل مما يأكل منه عامة المسلمين ، قائلاً له  							: كيف يرضيك أمر المسلمين إن لم تأكل مما يأكلون ؟ ،  							وأَمَر الرسول بهذه العلبة أن توزع بين فقراء المدينة  							، وقال : حرامٌ على بطن عمر أن يذوق حلاوة لا يأكلها  							فقراء المسلمين .
 							 							 							           الغلو في الدين ، مرةً أخرى أيها الإخوة ؛  							أن ينمو جانب على حساب جانب، لا بد من التفوق ، فكان  							أصحاب رسول الله متفوقين ، لأن الجوانب الثلاثة ، نمت  							عندهم نمواً متوازياً .
 							 							 							        أما حينما ينمو جانب على حساب جانب ، فهذا هو  							التطرف ، والتطرف يكون عبئاً على المسلمين ، وليس في  							خدمة المسلمين .
 							 							 							        شيءٌ آخر ، هناك من يأخذ فرعاً من فروع الدين  							ويجعله أصلاً ، هذا أيضاً تطرف ، هناك من يتعصب لفئةٍ  							أو لجماعةٍ ، أو لشخص ، أو لعصرٍ ، هذا إذاً تطرف ،  							وغلو في الدين ، التعبير الحديث "تطرف" ، أمّا التعبير  							القرآني " غلو في الدين "، أن تتعصب لفئةٍ ، أو  							لجماعةٍ ، أو لرجلٍ ، أو لعصرٍ ، أو لحقبةٍ ، مع أن  							الدين للإنسان بمثابة الهواء له لا يستطيع أحدٌ أن  							يحتكره ، ولا جماعةٌ ، ولا فئةٌ ، ولا أمةٌ ، ولاشعبٌ  							وبلدٌ ، ولا مصرٌ ، ولا عصرٌ ، ولا حقبةٌ .
 							 							 							        دين الله لا يحتكر ، دين الله لعباد الله ،  							فمن تعصب ، ومال لجهةٍ وكفَّر الباقين ، فقد تطرف ،  							وغلا في الدين .
 							 							 							إياكم والغلو في الدين فإنه أهلك الذين من كان قبلكم ،  							هذا ورد عن  رسول الله . إخوانا الكرام ؛ لقد قال  							الشيطان : "لأقعدن لهم صراطك المستقيم ولآتينهم من  							بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ، ثم لا  							تجد أكثرهم شاكرين ".
 							 							 							 							في الآية شيءٌ دقيق ، "لأقعدن لهم صراطك المستقيم"  							، أي إنّ الشاب لمجرد أن يتوب إلى الله عز وجل ، ويسلك  							الطريق الصحيح يأتيه الشيطان ، موسوساً ، محمساً ،  							داعياً إياه إلى المعصية ، حينما كان غارقاً في  							المعاصي تركه الشيطان ، فمتى أقبل عليه الشيطان ؟  							حينما انطلق إلى الرحمن ، "لأقعدن لهم صراطك  							المستقيم" ، يعني أنا على الطريق إليك فإذا سلك  							أحدٌ هذا الطريق ، لأقعدن في الطريق ولأوسوسنّ له ،  							هذه أول مهمة للشيطان .
 							 							 							أحيانا يقول لك شخص : يا أخي كنت غارقًا في المعاصي ،  							ولم أعاني مِن مشكلة ! طبعاً ، فلما اتجهت إلى الله  							اتجاهاً صحيحاً بدأت المشكلات ؟ هذا ابتلاء .
 							 							 							 							" أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون  							، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا  							وليعلمن الكاذبين  							" 
 							 							 							 							( سورة العنكبوت : 2 - 3 )
 							 							 							(سورة الناس : 1 - 2 -3 - 4  )
 							 							 							( سورة الأعراف :  200 - 201 )
 							 							والحمد لله رب العالمين 
 					تفسير القرآن الكريم
					لفضيلة  					الدكتور العلامة محمد راتب النابلسي