بسم الله الرحمن الرحيم
 					 					
 					 					 					الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على  					سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين :
 					 					 					        أيها الإخوة الكرام :
 					 					 					أناس كثيرون يشككون في كل شيء ، يقولون لك لا  					ندري ، لا نعلم ، الله أعلم ، لماذا خلقنا ؟ كأننا خلقنا لنعذب  					، لا أحد مرتاح ، كلما عرضت عليهم حقيقة ، أو آية ، ردوا عليك  					بأنهم لا يعلمون ، ولا يفهمون سر الوجود .
 					 					 					الله جل جلاله ، يقول في سورة النساء وفي الآية  					السادسة والعشرين :  
 					 					 					 					 					 يريد الله ليبين لكم   					، وقال سبحانه:  إلا من رحم ربك  					ولذلك خلقهم 
 					 					 					 					( سورة هود : 119 ) 
 					 					 					يعني يا عبادي خلقتكم لأرحمكم  					، وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون  					
 					 					 					 					 ( سورة الذاريات : 56 )  					
 					 					 					 					قل متاع الدنيا قليل
 					 					 					 					( سورة الحديد : 20 ) 
 					 					 					يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم  					الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور
 					 					 					 					( سورة فاطر  : 5 )
 					 					 					       لو قرأت القرآن الكريم ، لوجدته كله  					يبيِّن لهذا الإنسان سرّ وجوده ، لماذا جيء به إلى الدنيا ؟  					ماذا بعد الدنيا ؟ ما حكمة وجودك ؟ في حين ترى أنّ كل إنسان  					يشكك ، يقول أحدهم : جئت ، لا أعلم من أين ، ولكني أتيت ، هكذا  					قال بعض الشعراء ، رأيت قدامي طريقًا فمشيت ، كيف جئت ، كيف  					أبصرت طريقي ، لست أدري ، ثم يقول : ولماذا لست أدري لست أدري  					، هذا الذي يشكك ، له مِن وراء التشكيك غاية .  					
 					 					 					          الإنسان المنحرف يريد ألا يعلم ،  					لأنه لو علم ، لأصبح مسؤولاً ، والدليل : فإن لم يستجيبوا  					لك - يا محمد - فاعلم أنما يتبعون أهوائهم  					
 					 					 					 					( سورة القصص  : 50 )
 					 					 					 					أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم
 					 					 					 					( سورة الماعون :  1- 2 )
 					 					 					هو نفسه ، ولا يحض على طعام مسكين 					
 					 					 					 					( سورة الماعون :  3 )
 					 					 					          إذاً الإنسان حينما يريد ألا يعلم ،  					معنى ذلك أنه منحرف ، وأنه مقيم على المعاصي ، وأنه يتبع  					شهواته ، فإذا علم أصبح مسؤولاً ، هو أميَل إلى ألاّ يعلم ،  					إلى أن يشكك ، إلى أن يقول : لا نعرف ،  ففي الحياة في أسرار ،  					وكأنّ كلّ الأسرار عنده ، قل له : فُكَّ سراً واحداً ، يقول لك  					: لا أقدر ، هذا القرآن كلما غُصتَ فيه غرقتَ ، أعوذ بالله ،  					كلام الله ، نزل هذا القرآن من لدن حكيم عليم لنفهمه ، لنقرأه  					، لنتدبر آياته، انظر في الآية الكريمة ، يريد الله ليبين  					لكم ، لقد بيّن لك ، بيّن لك  لماذا خلق الكون ، ولماذا  					خلق الإنسان ، ولماذا جاء بك إلى الدنيا ، وماذا يقول الإنسان  					عند الموت ،  قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت  					
 					 					 					 					( سورة المؤمنون :  99 - 100  )  					.
 					 					 					إذاً سر وجودك في أنْ تعمل العمل الصالح .
 					 					 					 					والعصر إن الإنسان لفي خسر ، إلا الذين أمنوا  					وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر  					
 					 					 					 					( سورة العصر :  1 -3 ) .
 					 					 					القرآن كله بيان ، قال : يريد الله ليبين  					لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم " الآن هؤلاء الأقوام  					السابقة، حينما انحرفوا ماذا حل بهم ، أتريد عبرة  					نظرية ، أتريد حقيقة نظرية ، اقْرأ القرآن الكريم ، أتريد  					حقيقة عملية ، أقرأ ماذا حل بالأقوام السابقة ، "ألم  					تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ، ألم يجعل كيدهم في تضليل ،  					وأرسل عليهم طيراً أبابيل"
 					 					 					 					 ( سورة الفيل : 1 -2 - 3 )  					.
 					 					 					        وأنت أيها الإنسان ، ألم تَرَ كل يوم  					ماذا يحل بالمنحرفين ، "وضرب الله  					مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان  					فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا  					يصنعون "
 					 					 					 					(سورة النحل 112 )
 					 					 					 ألا ترى كل يوم فيما حولنا من البلاد الفلانية  					؛ هنا حرب أهلية ، هنا فيضان ، هنا زلزال ، هنا صواعق ، هنا  					براكين ، إن أردت الحقيقة مجردة ، فاقرأ القرآن ، وإن أردت  					الحقيقة مطبقة على أقوام ، قال سبحان : يريد الله ليبين لكم  					ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم ، من أجل ماذا قال  					: ليتوب عليكم ؟ من أجل أن يتوب عليكم والله عليم  					حكيم ، أمّا الآية التي بعدها ، والله يريد أن يتوب  					عليكم ، هذه مشيئته .
 					 					 					لذلك إذا جاءت توبة الله قبل توبة العبد ، فشيء  					مخيف ، تاب عليهم ليتوبوا  					
 					 					 					 					( سورة التوبة : 118 )
 					 					وفي  					آية ، تابوا فتاب الله عليهم .
 					 					 					ما معنى توبة الله قبل توبة العبد ؟  					
 					 					 					ما معنى توبة الله بعد توبة العبد ؟
 					 					 					 					تاب عليهم ليتوبوا  					... تابوا فتاب الله عليهم ... 					
 					 					 					        العلماء قالوا :
 					 					 					إذا جاءت توبة الله بعد توبة العبد ، فهي قبول  					التوبة .
 					 					 					        أما إذا جاءت توبة الله قبل توبة العبد  					، أي هي الشدائد ، التي يسوقها الله لهذا الإنسان ليحمله على  					التوبة ، أيْ تَوَّبَهُ ، تَوَّبَهُ ، فلما ربنا يقول :  					والله يريد أن يتوب عليكم ، يعني كل هذه المصائب ، كل هذه  					المتاعب ، الفقر ، الفرج ، القهر ، الذل ، الخوف ، القلق ،  					وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير  					
 					 					 					 					 ( سورة الشورى : 30 ) 
 					 					 					 ما من عثرة ولا اختلاج عرق ولا خدش عود إلا  					بما قدمت أيديكم ، وما يعفوا الله أكثر، والله يريد أن يتوب  					عليكم .
 					 					 					        إذاً الشر المطلق ليس له وجود في الكون  					، الشر الهادف ، والشر بنظر الإنسان شر ، في نظر الواحد الديان  					مطلق الخير ، والله يريد أن يتوب عليكم ،ثم قال  					: ويريد الذين يتبعون الشهوات أن  					تميلوا ميلاً عظيما .
 					 					 					إذاً أنت محاط بناس لا دين لهم ، فَسَقَة ،  					يحبون الشهوات ، مشكلة الإنسان أنه يعيش معهم ، دائما يريدون  					منك أن تميل ميلاً عظيما ، يجرونك إلى الربا ، إلى الاختلاط ،  					يجرونك لتزويج ابنتك من شاب غني فقط ، يقول بعضهم : الدراهم  					كالمراهم ، ماذا تستفيد من الفقير المعترِّ .
 					 					 					          إذا كان الذين حولك دين لهم ، فإنهم  					يجرونك لاتّباع الشهوات والميل عن الحق ، فهذه الآية دقيقة .
 					 					 					 					والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون  					الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيما ،  					عن الحق ، لذلك :ولا تطع من أغفلنا  					قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا
 					 					 					 					( سورة الكهف : 28 )
 					 					 					 					واتبعْ سبيل مَن أناب إليّ  					
 					 					 					 					 ( سورة لقمان : 15 )
 					 					 					         إذا استشرتَ فاستشِر إنسانًا مؤمنًا ،  					صادقًا ، استشِر إنسانًا واثقًا من ورعه ، من علمه ، أما أنْ  					تسأل واحدًا لا دين له ؟ فإنّه يغرقك ، لماذا يريد الله أن  					يتوب عليكم؟ قال : يريد الله أن يخفف  					عنكم .
 					 					 					         أنت تحمِّل نفسك مالا تطيق ، لماذا  					يحمل الإنسانُ نفسَه مالا تطيق  في حين : يريد الله أن يخفف  					عنكم ، لكن : وخلق الإنسان ضعيفا .  					
 					 					 					         أنت تقدر على معاينة المعصية عند  					الموت ؟ وفي أثناء الحياة تجد الناس نيامًا مخدرين ، تشغلهم  					نزهات مختلطة ، يقترفون السيئات ، فهم مخدرون ، والمال موجود،  					والصحة موجودة لا يدري أحدهم ما يعمل لغفلته ، لو أن إنسانًا  					عاين هذه المعاصي وهو في القبر فإنه لا يتحمل ؟ يصيح صيحةً لو  					سمعها أهل الأرض لصعقوا منها ، ولمّا يرى الإنسان مكانه في  					النار  يصيح صيحةً لو سمعها أهل الدنيا لصعقوا بها .
 					 					 					 					يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا .
 					 					 					           أربع آيات بمحور واحد ، يريد الله  					ليبين لكم ، كل هذا القرآن تبيان  وإذا لم تكفِ الحقائق  					النظرية ، فإنه يريك حالَ الأقوام السابقة التي كفرت .
 					 					 					 					          ألم تَرَ كيف فعل ربك بأصحاب الفيل  					؟ قوم عاد ، قوم ثمود ، قوم فرعون ، قوم نوح ، انظر إلى هؤلاء  					القدامى ، أمّا حال المعاصرين ، فانظر حولك ، كم من حرب أهلية  					؟ كم زلزال صار ؟ كم فيضان ؟ يقولون :  إعصار ؛ خسارة البلاد  					بسببه تقدَّر بثلاثين مليارًا ، إعصار واحد في نصف ساعة ، ما  					لنا لا نرى ولا نبصر ؟ المصائب التي تأتي ، بساعة أعاصير ،  					بساعة زلازل ، بساعة فيضانات ، بساعة حروب أهلية ، واللهُ ماذا  					قال : قل هو القادر على أن يبعث  					عليكم عذاباً من فوقكم 
 					 					 					 					( سورة الأنعام : 65 )
 					 					 					          هذه الصواعق قديماً وحديثاً ،  					والصواريخ ،حديثا مِن فوقكم : أو من تحت أرجلكم ،  					الزلازل والألغام ، قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً  					من فوقكم أو من تحت أرجلكم  أو يلبسكم شيعاً : الحروب  					الأهلية ويذيق بعضكم بأس بعض . 
 					 					 					          قبل أسبوع تحاربت بإفريقيا دولتان ،  					عشرة آلاف قتيل في يومين ، عشرة آلاف ، هذا من فعل الله عز وجل  					، من تأديب الله عز وجل لعباده ، فلذلك ، يريد الله ليبين لكم  					أتحب بيانًا عمليًا ، فهؤلاء القتلى بيانٌ عملي صارخ " ويهديكم  					سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم والله يريد أن  					يتوب عليكم ، ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما  					، لذلك ، واتبعْ سبيل من أناب إليَ ولا تطع من أغفلنا قلبه عن  					ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا .
 					 					 					         وبعد ؛ لماذا كل هذا ؟ قال : يريد  					الله أن يخفف عنكم ، وخلق الإنسان ضعيفًا، يريد أن يبين ،  					ببيان نظري ، يريد أن يبين ، ببيان عملي ، يريد أن يخفف عنكم ،  					يريد أن يتوب عليكم .
 					 					 					         لذلك هذه الآيات في سورة النساء جاءت  					متتابعة ، ثلاث آيات تبدأ بكلمة والله يريد ، إذا قلت :  					أنا لا أعرف لماذا خُلِقت ، والله هذا منتهى الحمق ! كتاب الله  					معجز ، وهو بين يديك ، يبين لك خالق الكون لماذا خلقك ، إلا  					من رحم ربك ولذلك خلقهم ، يقولون : أريد تفسيرَ الآية ، لا  					أريد تفسير الزمخشري ، ولا الجلالين ولا الطبري ولا القرطبي ،  					بل أريد شيئًا واضحًا  مثل الشمس ، فإليك الجواب 					في الآية : إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ، خلقك ليرحمك 					وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ، وما الحياة  					الدنيا إلا متاع الغرور ، قل متاع الدنيا قليل ، الآخرة خير  					وأبقى ، اقرأ القرآن فإذا قلت: لا أدري فهذا جوابه :  					فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ، 
والحمد  					لله رب العالمين
 					تفسير القرآن الكريم
					لفضيلة  					الدكتور العلامة محمد راتب النابلسي