بسم الله الرحمن الرحيم
 					 					
 					 					 					 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق  					الوعد الأمين ، في سورة البقرة الآية الواحدة والعشرون بعد  					المئتين وهي قوله تعالى: 
 					 					 					 					أيها الإخوة الكرام ؛ هناك نوعان من التكذيب ؛ نوعٌ قولي ...  					ونوعٌ عملي ، والتكذيب العملي أخطر من التكذيب القولي !!!
 					 					 					فلو أن مريضًا زار طبيباً ، وهذا الطبيب فحصه فحصاً جيداً ،  					وكتب له وصفة ، و شكر المريض الطبيب ، وأثنى على علمه وصافحه  					وعظمه وبجله ، لكنه لم يشترِ هذا الدواء ، فهو إذاً لم يعبأ لا  					بعلمه ولا بتشخيص مرضه ولا بنوع دوائه .
 					 					 					فعدم شراء الدواء تكذيبٌ عملي لعلم هذا الطبيب ، رغم أنك أثنيت  					عليه وصافحته بحرارة وشكرته .
 					 					 					فالتكذيب العملي هو شراء الدواء ، وهذا يدل على أنك لم تعبأ  					بعلمه البتة .
 					 					 					كلكم يقرأ القرآن الكريم ، فإذا قرأتم القرآن الكريم وأنهيتم  					القراءة فإنكم تقولون : صدق الله العظيم .
 					 					 					فإذا جاء خاطب لابنتكم ، دينه قوي ، لكن دخله المادي وسط ،  					وجاء خاطبٌ آخر ، دينه رقيق ودخله كبير ، فإذا آثرتم الغني على  					المؤمن فأنتم لا تصدقون كلام الله عز وجل ، ولو قلتم صدق الله  					العظيم ، فالله عز وجل لا يرضى للعبد أن يتعامل معه بالشكليات  					، فأنت تقول : صدق الله العظيم ، ويقول الله لك : ولعبد  					مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم . ... فإنسان وسيم الطلعة  					دخلُه كبير ، عنده معمل بيته ملكه بيته أربعمئة متر مربع ،  					وسيارته على الباب ، لكن لا دين له ، فلا يصلي ، ويسهر يمنة  					ويسرة بالفنادق، وخطب ابنته رجلٌ مسلم ، يقول والدُ الفتاة :  					طيب هذا شيء مغرٍ ، وكان قد خطبها سابقاً رجل فقير ، لكنَّه  					مؤمن إيمانا قويًّا ، فأنت آثرت الغني على الفقير ، آثرت رقة  					الدين على قوة الدين ، فإذا قرأت قوله تعالى : ولعبد مؤمن  					خير من مشرك ولو أعجبكم .
 					 					 					فأنت حينما اخترت الغني الفاسق على الفقير المؤمن كذَّبت هذه  					الآية لا تكذيبًا لفظياً قولياً ، بل كذبتها تكذيباً عملياً ،  					والتكذيب العملي أخطر من التكذيب القولي ، لأن الذي يكذب  					بلسانه يُناقَش ، فتقيم عليه الحجة ، أما الذي يكذب بعمله ،  					فلا تستطيع أن تناقشه، تسمع بعضهم يقول : أعوذ بالله ، ما في  					مثل القرآن ، وعملُه يخالف ما في القرآن كلبة، ولننتقل إلى  					مجال آخر ، هناك أٌناس كثيرون ، يذكرون أنهم يصدقون باليوم  					الآخر ، ولكن في الحقيقة لا يعملون ولو عملاً واحدًا لليوم  					الآخر ، لسانهم يكذب عملهم وعملهم يكذب لسانهم .
 					 					 					فيا أيها الإخوة الكرام ؛ القضية ، قضية الإيمان قضية مصيرية ،  					وربنا عز وجل يقول: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان  					الله معذبهم وهم يستغفرون  
 					 					 					 					(سورة الأنفال : الآية : 33 )
  					 					 					لهذه الآية معنًى دقيق ، فما دام المسلم يطبق سنة رسول الله في  					حياته ، ما كان الله ليعذبه : "ما  					يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم"
 					 					 					 (  					سورة النساء : الآية : 147 ) 
  					 					 					معنى الآية :  					 					وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم  					طبعاً سنتك مطبقةٌ في بيوتهم ، في أعمالهم ، في بيعهم وشرائهم  					، في زواجهم وطلاقهم ، في تجارتهم ، وما كان الله ليعذبهم  					وأنت فيهم ، فلِمَ يعذبهم وهم على المنهج الصحيح ؟ إنسان  					يطبق منهـج الله ، يطبق سنة رسول الله في كل نشاطاته ، لماذا  					العذاب ؟  والآية صريحة : "ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم  					وآمنتم وكان الله شاكراً عليما "، وهناك آية أخرى تؤكد هذا  					المعنى: "وقالت  					اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباءه "
 					 					 					(  					سورة المائدة : الآية 18 )
  					 					 					وهذا مجرَّد ادعاء فردَّ الله عز وجل عليهم قائلاً : " قل فلم  					يعذبكم بذنوبكم " انظُر " يعذبكم بذنوبكم " ، فقيَّد  					العذاب : "بل أنتم بشر ممن خلق " ، ومن هنا استنبط الإمام  					الشافعي أن الله لا يعذب أحبابه من هذه الآية ، فلو أن الله  					أقرهم على أنهم يحبونه لما عذبهم ، "قل   					فلم يعذبكم بذنوبكم بل انتم بشر ممن خلق " .
 					 					 					إذاً :وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم  					وهم يستغفرون. 
 					 					 					المعنى الثاني دقيق ، يعني إذا كان المسلم قد زلت قدمه ، أخطأ  					بأنْ سبقت منه مخالفة ، وندم أشد الندم ، واستغفر أشد  					الاستغفار ، وأصلح وتاب إلى الله ، فإذا كان بهذا الوضع، فالله  					عز وجل لا يعذِّبه أيضًا .
 					 					 					يعني إذا أب شاهد أنّ علامة ابنه أخذ بالرياضيات صفر وامتنع  					الابنُ عن الأكل حزنًا ، ودخل الابنُ إلى غرفته واعتصم بها ،  					فلما رأى الأب ابنه بالألم والضيق الشديد فهل يلجأ الأب إلى  					ضرب ابنه ؟ لا .
 					 					 					فمتى يأتي العذاب ؟ إذا لم نطبق منهج الله ولم نعبأْ بهذه  					المعصية ، وإن طبقنا المنهج فلا نعذب ، إن أخطأنا وندمنا فلا  					نعذب ، لكن نتباهى ، ولا نطبق ما فيه ، ولا نعبأْ بهذه المعصية  					، فعندئذٍ يأتي التأديب .
 					 					 					أخوانا الكرام ؛ بالعالم الإسلامي كله ، ليس مقبولاً أبداً من  					إنساٍن ينكر الآخرة ، لكن الذي تراه بعينك ، أن أحًاد لا يعمل  					للآخرة ، بل نعمل للدنيا ، فهذا التكذيب العملي أبلغ ألف مرة  					من التكذيب اللساني .
 					 					 					مره ثانيه ؛ "ولا  					تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو  					أعجبتكم " .
 					 					 					هذا كلام خالق الكون ، يعني امرأة صالحة مؤمنة ، تحفظ لك نسلك  					، وتعلم أولادك القرآن ، وتعلم أولادك سنة النبي العدنان ،  					وترعاك في غيبتك ، فإذا نظرت إليها سرتك، إذا غبت عنها حفظتك  					في مالك ونفسها ، وإذا أمرتها أطاعتك ، والله شيءٌ جميل ، فهذه  					هي المؤمنة .
 					 					 					أما المشركة فهي عبءٌ عليك ، ولو أنها أعجبتك بادئ الأمر ،  					لكنها عبءٌ عليك ، فلا تعبأ بك ، ولا تأتمر بأمرك ، ولا تستقيم  					على أمر الله عز وجل ، ولا تربي لك أولادك كما تريد ، دائماً  					أنت في شك منها ، وخالق الكون يقول لك:" ولأمة مؤمنة خير من  					مشركة ولو أعجبتكم " ، وقال تعالى :  					"ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم  					" ولم يبقَ عبيدٌ في عصرنا ، لكن هناك إنسان فقير مؤمن ،  					وإنسان غني لا دين فيه ، فكل الأسر الإسلامية يجب أن تراعي  					مدلولات هذه الآية ، فإنْ لم تفعل ، فالمسلم يكذب إذًا كلام  					الله ، وهو لا يشعر  ، والله يعامل الإنسان لا على كلامه فقط ،  					بل يعامله على فعله كذلك ، ولعل العقاب على الفعل أشد و أنكأ .
 					 					 					 					"وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم  					يستغفرون"  .
 					 					 					فأنت اقرأ القرآن ، وما فيه من الأمر والنهي ، ثم إذا قلت صدق  					الله العظيم ، وقبلت المصحف ست مرات ، من كل وجه مرة ، ولم  					تطبق ما فيه ، فهذا لا يقدم ولا يؤخر ، ولا ينفعك عند الله  					أبداً ، فالذي يقدم ويؤخر العمل ، فحينما تصدق كلام الله ، مِن  					أن المؤمن أفضل من المشرك ، ولو أعجبك المشرك بوسامته وطلعته  					وماله وبيته ومنطقة بيته ومركبته ، فيجب أن تؤثر المؤمن ، وإنْ  					كان دون مواصفات المشرك ، لأن المؤمن إن أحبها أكرمها ، وإن لم  					يحبها لم يظلمها ، بل يحافظ على دينها ، ويأخذ بيدها إلى الله  					ورسوله ، والدنيا كلها متاع وخير متاعها المرأة الصالحة . 					
 					 					 					فيا أيها الإخوة الكرام ؛ حذارِ من التكذيب العملي ، أن تصدق  					بلسانك ويأتي فعلك ليكذب ما نطق به لسانك ، وربنا عز وجل كما  					يعاملنا على ما نتفوّه به فهو كذلك يعاملنا على أفعالنا ،  					والذي يمنعنا من عذاب الله أن نكون عند أمره ونهيه ، أو إذا  					أخطأَ أن نندم أشد الندم ، ولا تنسوا هذه الآية : "وما   					كان الله ليعذبهم وأنت فيهم  					" ، طبعاً أي سنتك موجودة في حياتهم ، فإذا طبقتم سنة رسول  					الله ، والآية واضحة ، فأنتم في بحبوحة العيش ، وإن أخطأنا  					وندمنا واستغفرنا وتألمنا ، فنحن في فسحة ، ويمنحنا الله عز  					وجل فسحة كي نتوب ، أما إذا أخطأنا ولم نتب ، أخطأنا ولم نندم  					، أخطأنا ولم نكترث ، عندئذ يأتي عذاب الله عز وجل قال تعالى : 					فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف  					يلقون غيًّا "
 					 					 					(  					سورة مريم : الآية : 59 )
  					 					وقد  					لقي المسلمون ذلك الغي وهو تحت سمعكم وبصركم .
 					 					 					فإذا أردنا من الله عز وجل أن يحفظنا وأن ينصرنا وأن يرحمنا  					وأن يعزنا وأن يطمئننا وأن يستخلفنا فعلينا بطاعته ، وعلينا  					بتصديق كتابه ، القرآن يقول : "فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب  					من الله ورسوله  					 					"
 					 					 					(  					سورة البقرة : الآية : 279 ) 
  					 					 					فإنْ لم يعبأ الإنسان بهذه الآية ، فهو يكذبه ، فحذارِ حذارِ .
 					 					 					أيها الإخوة الكرام ؛ تعاملوا مع القرآن بصدق وبإخلاص ، اقرؤوا  					الآيات بتدبر ، فهي كلام خالق الكون ، وإذا كان عندك شك بكلام  					الله فاسأل أهل العلم ، ولا يمكن أن يتبادر إلى ذهن إنسان ذرة  					من شك في أنه ليس كلام الله ، لما فيه مِن إعجاز ، فالله خالق  					الكون ، وهذه تعليمات الصانع ، فكما أنك  حريص على آلة حاسبة  					فتسأل الشركة الصانعة ، وكذلك مركبتك تأخذها إلى الوكالة  					الخاصة لصيانتها ، لحرصك عليها ، فإذا كنت حريصًا على سيارتك  					هذا الحرص فلتك أشدَّ حرصًا على نفسك ، على مستقبلك ، على  					مصيرك بعد الموت ، فهذه الآية جديرة بتدبرها ، والعمل بمضمونها  					، وموضوعها التكذيب العملي ... والتكذيب القولي ...
 					 					 					وليس في العالم الإسلامي من يكذب هذا القرآن ، هذا أمر غير  					مقبول إطلاقاً ، لكن كثيرًا من الناس وقعوا في التكذيب العملي  					.
 					 					 					 					والحمد لله رب العالمين
 					تفسير القرآن الكريم
					لفضيلة  					الدكتور العلامة محمد راتب النابلسي